تزخر الأدبيات العربية القديمة بالعديد من الأساطير والقصص التي تبرز أهمية الخيل ومكانتها المرموقة في التراث العربي الأصيل. وقد لعبت الخيول دورًا محوريًا في حياة العرب على مر العصور. ونسجوا حولها العديد من الأساطير والقصص التي تعكس مكانتها الرفيعة في قلوبهم. هذه الأساطير العربية، تظهر الخيل كرمز للشجاعة، والنبل، والجمال، ولها أدوار مركزية في قصص البطولة والحروب.
تتحدث اسطورة الخيول الخمس عن أصل الحصان العربي وتعتبر أساس تفسيري لأصل جميع الخيول العربية.
جاء في الأساطير الجاهلية أن الخيل خلقها الله تعالي واختص بها النبي سليمان عليه السلام الذي كان ملكا علي الناس والحيوانات والطيور. وعند زواجه من بلقيس ملكة اليمن أصبح هو الملك عليها فاحتجز الخيول كلها في المراعي خلف سد مأرب باليمن. الذي يعتبر أول السدود العظيمة التي عرفتها البشرية. وعقب موت سليمان انهار السد فاجتمعت كل الخيول وفرت عقب انهيار سد مأرب إلى البراري وتوحشت.
فخرج ذات يوم خمسة أعراب هم: جُذْران، وشُوَيّة، وسِّباح، وشِّراك ورجل عجوز ، إلى بلاد نجد، فشاهدوا خمسة من جياد الخيل وكرائمها، فاحتالوا لصيدها وكمنوا لها بالقرب من مورد الماء حيث نصبوا الفخاخ الخشبية. فلمّا سقطت في الكمين تركوها حتى أخذ منها الجوع والعطش مأخذًا، وهم في غضون ذلك يترددون عليها ويتقرّبون منها حتى تألفهم وتتعود عليهم، حتى استأنسوها وركبوها قاصدين مضاربهم.
وخلال عودتهم نَفِدَ ما لديهم من زاد، وبلغ منهم الجوع مبلغًا، فاتفقوا أن يتسابقوا باتجاه خيامهم ويذبحوا الفرس التي تتأخر. ولكن عقب السباق رفض راكب الفرس الأخير ذبح فرسه، وأبى إلا أن يُعاد السباق. ثم تأخرت أخرى غير الفرس الأولى، فرفض فارسها ذبحها، وهكذا حتى رفضوا جميعاً ذبح خيولهم. وفي اليوم الخامس ظهر قطيع من الظباء، فأغناهم عن الذبح، وهكذا سَلِمَت الأفراس الخمسة.
فسُميت الفرس التي كان يركبها جُدْران الصقلاوية، لصقالة شعرها، وسميت التي كان يركبها شُوَيَّة أم عرقوب لالتواء عرقوبها، أما فرس سّباح فقد أطُلق عليها اسم شويمة لشامات كانت بها، وسميت الرابعة كحيلة لكحل عينيها وكان يركبها العجوز. أمّا الخامسة التي كان يركبها شِّراك، فسميت عبيه لأن عباءة شِّراك سقطت على ذيلها، فظلت ترفعها بذيلها وتردها طيلة السباق.
ويقول الكلبي في كتابه أنساب الخيل؛ أن كل الخيول العربية الأصيلة ترجع في أصلها إلى زاد الرَّكب. وتزعم الأساطير أنه من بقية جياد سليمان، عليه السلام، وأن فحول الجياد العربية من نسله، وأن سليمان، عليه السلام، ورث عن أبيه عددًا من الخيل.
تُعدّ “زاد الراكب” واحدة من أشهر الأساطير التي تروى عن الخيل في التراث العربي. يُقال إن زاد الراكب كان حصانًا يمتلك قدرات خارقة، بحيث كان يستطيع الجري لعدة أيام متواصلة دون أن يتعب أو يحتاج إلى راحة. كان هذا الحصان ملكًا لأحد ملوك العرب القدماء، الذي استخدمه في غزواته ومعاركه، حيث كان يعتمد عليه في قطع المسافات الطويلة بسرعة فائقة لتحقيق النصر على أعدائه.
وقد حدَّث الكلبي عن ابن عباس، رضي الله عنهما، ما أنه قال: “أول ما انتشر في العرب من تلك الخيل أن قوماً من الأزد من أهل عَمّان قدموا على سليمان بن داود، عليهما السلام، بعد تزويجه بلقيس ملكة سبأ، فسألوه عما يحتاجون إليه من أمر دينهم ودنياهم، حتى قضوا من ذلك ما أرادوا، وهمّوا بالانصراف؛ فقالوا يا نبي الله: إن بلدنا شاسع وقد أنفضنا (نفد ما عندنا) من الزاد، فمر لنا بزاد يبلغنا إلى بلدنا، فدفع إليهم سليمان فرساً من خيل داود، وقال: هذا زادكم! فإذا نزلتم فاحملوا عليه رجلاً وأعطوه مطرداً (رمحاً) واحتطبوا وأوروا ناركم حتى يأتيكم بالصيد. فجعل القوم لا ينزلون منزلاً إلا حملوا على فرسهم رجلاً بيده مطرد، واحتطبوا وأوروا نارهم؛ فلا يلبثون إلا قليلاً حتى يأتيهم صاحبهم بصيد من الظباء والحُمر والبقر، فيأتيهم بما يكفيهم، وفضلاً عن ذلك اغتبطوا به فقال الأزديون: ما لفرسنا هذا اسم إلاّ زاد الركب؛ فكان ذلك أول فرس انتشر في العرب من تلك الخيل”.
يروى أن الخيل “ذو العقال” كان حصانًا مميزًا في الحروب، حيث كان يمتلك قدرات خارقة مثل السرعة الفائقة والذكاء الفريد. تقول الأسطورة أن هذا الحصان كان يتميز بعلاقة خاصة مع صاحبه، حيث كان يفهمه دون الحاجة إلى أوامر مباشرة، ويقاتل بشجاعة لا مثيل لها. يقال إن هذا الحصان ساعد صاحبه في العديد من المغامرات، وكان يملك القدرة على اتخاذ قرارات حاسمة في المواقف الصعبة، مما جعل صاحبه ينال احترام الجميع ويصبح فارسًا مشهورًا. كان هذا الحصان رمزًا للقوة والولاء بين الفارس وحصانه.
العرنج هو خيل أسطوري آخر، يوصف بأنه خيل لا يقهر، قادر على التغلب على جميع التحديات التي تواجهه. تقول الأساطير أن هذا الحصان كان يتميز بسرعته الهائلة وقدرته على الجري لمسافات طويلة دون أن يصاب بالإعياء. كان الفارس الذي يمتطي العرنج يعدّ بطلاً لا يمكن هزيمته، مما جعله نموذجًا للكمال والشجاعة.
الأعشى، الشاعر العربي المعروف، يروي في إحدى قصائده قصة حصان أسطوري يُدعى “المنجرد”، الذي كان يتميز بسرعته الفائقة وجماله الباهر. في إحدى الحروب، أصيب الأعشى بجروح بالغة وكاد أن يُقتل، إلا أن المنجرد بفضل سرعته وقوته، أنقذه من الأعداء ونقله إلى مكان آمن. هذه القصة تبرز العلاقة الوطيدة بين الفارس وحصانه، وتعكس مدى الاعتماد الكبير على الخيل في الحروب القديمة.
تُعد قصة البراق من أشهر القصص القرآنية المرتبطة بالخيول في التراث العربي والإسلامي. قال النووي رحمه الله :” قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: الْبُرَاقُ: اسْمُ الدَّابَّةِ الَّتِي رَكِبَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْإِسْرَاء. وعن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «أُتِيتُ بِالْبُرَاقِ وَهُوَ دَابَّةٌ أَبْيَضُ، فَوْقَ الْحِمَارِ وَدُونَ الْبَغْلِ , يَضَعُ حَافِرَهُ عِنْدَ مُنْتَهَى طَرَفِهِ، فَرَكِبْتُهُ، فَسَارَ بِي حَتَّى أَتَيْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ …»
قال ابن دريد: اشتقاق البراق من البرق إن شاء الله تعالى، يعني لسرعته، وقيل: سمي بذلك لشدة صفائه، وتلألئه، وبريقه، وقيل: لكونه أبيض. وقال القاضي: يحتمل أنه سمي بذلك لكونه ذا لونين، يقال: شاه برقاء إذا كان في خلال صوفها الأبيض طاقات سود. قال: ووصف في الحديث بأنه أبيض، وقد يكون من نوع الشاة البرقاء، وهي معدودة في البيض، والله تعالى أعلم.
ومن الجدير بالذكر أنه لم يثبت أن البراق كان له جناحان وعلم ذلك عند الله تعالى.
إقرأ عن أسطورة القرن الواحد والعشرين الخيل مروان الشقب.
تظل الأساطير والقصص المرتبطة بالخيول جزءًا لا يتجزأ من التراث العربي، تعكس في طياتها القيم النبيلة للفروسية مثل الشجاعة والولاء والوفاء. تربط هذه الأساطير بين الماضي والحاضر، وتُذكِر الأجيال الجديدة بأهمية الخيول في تاريخهم وثقافتهم. من خلال القصص والأساطير، تستمر الخيول في أن تكون مصدر إلهام وفخر للعرب في كل مكان، محققة بذلك تواصلًا ثقافيًا وحضاريًا يعزز الهوية العربية ويفخر بها.