تعد قصة حصان طرواده واحدة من أشهر وأقدم القصص في التاريخ القديم، والتي تعكس الحيلة والمكر في الحروب القديمة. تروي هذه القصة أحداث الحصار الطويل الذي فرضه الإغريق على مدينة طروادة، والذي انتهى بطريقة مفاجئة ومبدعة، أصبحت رمزًا للخداع الاستراتيجي.
اقرأ أكثر عن الخيول في الأساطير العربية القديمة ..
تقول الأسطورة أن حرب طروادة بدأت واستمرت لعشر سنوات، وكان سبب نشوبها خطف “باريس” أمير طروادة “لهيلين” زوجة “مينيلوس” ملك أسبرطة. حيث أمر بجمع الجيوش الإغريقية تحت قيادة “أجاممنون”، شقيق “مينيلوس”. وبدأت رحلة الصراع بألف سفينة في كل سفينة 50 مقاتل من اعظم مقاتلى اليونان على راسهم المقاتل الداهية اكليس. وشرعوا في حملة طويلة لمحاصرة مدينة طروادة. ورغم العديد من المعارك البطولية بين الجانبين، لم يتمكن الإغريق من اقتحام أسوار طروادة الحصينة.
بعد سنوات من الحصار والقتال الذي لم يحقق أي تقدم ملموس، قرر الإغريق اللجوء إلى الحيلة. وكان “أوديسيوس”، أحد أذكى القادة الإغريق، صاحب الفكرة المبتكرة التي ستقود إلى سقوط طروادة. اقترح بناء حصان خشبي عملاق وإخفاء مجموعة من أفضل المحاربين بداخله. ومن ثم، يتظاهر بقية الجيش بالانسحاب، تاركين الحصان كهدية للطرواديين كرمز للسلام.
تم بناء الحصان الضخم ووضع المحاربين الأشداء بداخله، ومن ثم سحب الجيش الإغريقي أساطيله متظاهرا بالهزيمة والفرار وابتعد عن شواطئ طروادة، مخفيًا نفسه في جزيرة قريبة. وسرعان ما خرج الطرواديون لجمع الغنائم التي خلفها وراءه جيش إسبرطة وتوقفوا طويلاً أمام هذا الحصان الخشبي الضخم. وقد انقسمت الآراء حوله؛ البعض رأى أنه فخ، والبعض الآخر اعتبره هدية تنهي الحرب الطويلة.
في النهاية، غلب الفضول والغرور على الطرواديين، وقرروا إدخال حصان طرواده إلى المدينة كعلامة على انتصارهم المفترض. أقاموا الاحتفالات معتقدين أن الحرب قد انتهت أخيرًا. لكن في منتصف الليل، وعندما كانت المدينة تغط في نوم عميق، خرج المحاربون الإغريق من داخل الحصان وفتحوا بوابات المدينة لجيشهم الذي كان قد عاد في الظلام.
اجتاح الإغريق المدينة بسرعة وقسوة، وأحرقوا المباني وقتلوا السكان، ونفذوا انتقامهم دون رحمة. انتهت طروادة وسكانها بشكل مأساوي، وتحققت نبوءة السقوط بسبب خدعة بسيطة ولكنها مدمرة.
تعلم أكثر عن مكانة الخيل في الثقافة الشعبية العربية
بناءًا على نتائج الباحث الإيطالي “فرانشيسكو تيبوني” في الآثار البحرية، الذي شكك مؤخرًا في رواية الشاعر الملحمي الإغريقي هوميروس حول “حصان طروادة”. ويرى هذا الباحث أن الإغريق لم يخفوا الجنود داخل حصان خشبي كما هو معروف، معتبرًا ذلك أسطورة زائفة.
وحسب قوله أن هناك خطأ في الترجمة تم الانتباه له بعد حرب طروادة بقرون، أدى إلى اختلاق أسطورة زائفة. وأن الحصان الشهير في الأسطورة كان في الحقيقة سفينة تجارية تحمل اسم “هيبوس” باللغة اليونانية القديمة، وكان يعلو مقدمتها تمثال كبير لرأس حصان كعلامة لها. وترجمة كلمة “هيبوس” هي “حصان”. أي أنهم أطلقوا اسم “حصان” على تلك السفينة التجارية.
وقد طرح الأكاديميين ترجمة لكلمة هيبوس على أنها تعني سفينة. ويأكد الباحث أن ترجمة سفينة هي الأقرب للواقع، حيث اعتادت الأمم السابقة استخدام السفن التجارية في حمل الإتاوات مثل المعادن الثمينة إلى الأعداء المنتصرين في المعارك. كما أن تجويف السفينة يمكن أن يتيح مكانا أفضل لإخفاء الجنود مقارنة ببطن حصان.
ومن ناحية أخرى فإن الإشارة التي جاءت في القصيدة الملحمية للشاعر الروماني القديم والشهير فرجيل بعنوان “الإنياذة” بدعوة أهالي طروادة إلى إغراق هدية الإغريق، تبدو خارجة عن السياق إذا استبعدنا تفسير السفينة.
وكتب الباحث تيبوني عام 2016 في الدورية الأكاديمية “أرشيولوجيا مارتيما ميدترانيان” أي الأبحاث الأثرية بالمتوسط، يقول إن “كثيرًا من جوانب الأحداث التي حكاها المؤلفون القدماء تبدو أكثر وضوحا مقارنة بالتفسيرات المتداولة في الوقت الحالي، إذا استخدمنا كلمة “هيبوس” بمعنى سفينة.
ورغم تلك المناقشات بين المؤرخين حول مدى صحة اسطورة حصان طروادة التاريخية، إلا أننا نعلم أنها مليئة بعناصر الخيال التي تم تضخيمها عبر الزمن. لكنها ستظل رمزًا للخداع العسكري وللإبداع في الحروب. حيث تعكس القصة كيف يمكن لحيلة ذكية أن تقلب موازين القوى، وتظل محفورة في الذاكرة الجماعية كمثال على القوة الكامنة في الفكر الاستراتيجي والابتكار.